في قصة "أليس في بلاد العجائب "، سألت ألِيسْ القط شيشاير: "هلا أخبرتنِي
أيَّ طريقٍ ينبغي أن أسلك لأخرج من هنا؟", فأجاب القط: "هذا يعتمد كثيرًا
على المكان الذي ترغبين في الذهاب إليه", فقالت أليس: "لا يهمني كثيرًا إلى
أين...", فأجاب: "إذن، لا يهمّ أي طريق تسلكين", فأضافت ألِيس: "حسنًا،
طالَمَا أصِلُ إلى مكان ما", فأجابها القط: "بالتأكيد ستصلين, لو أنّك مشيت
بما فيه الكفاية".
"أليس في بلاد العجائب" هي قصة للأطفال كتبها الكاتب
وعالم الرياضيات الإنجليزي تشارلز لوتويدج دودسن، باسمٍ مُسْتعار، هو:
"لويس كارول"، في 1865م, وقد أثر انشغال الكاتب بالرياضيات على مفردات
قصته؛ فاستخدم فيها قواعد الرياضيات البسيطة, الضِّلع المستقيم, والمسافة
بين نقطتين, والعشوائية... إلخ.
وقد عمد الكاتب إلى القول بأن "من لم
يضع لنفسه هدفًا في الحياة فلن يصل إلى أي شيء, حتى إنْ وصل فوصوله لا
يعتبر نجاحًا". ولتحديد هدفك يجب أولاً أن تحدِّد مكانك, أين تقف الآن ؟؟
وأي دورٍ تلعبه ؟؟ وإلى أين تتجه؟
لو فرضنا أنّ الإنسان حياته عبارة عن
خط مستقيم, ينطلق من النقطة (أ) وتمثل وِلادَتَه, وبدايةَ نمو إدراكه, ويقف
الآن في النقطة (ب) وهي موقعه الحالِي, متمثلًا في كمّ النجاحات التي
حققها, ونوعها, وكمّ الخبرات التي اكتسبها, وهدفه هو النقطة (ج), فإن
الصورة ستخرج بالشكل التالي:
وأنت ترسم الرسم, إذا لم تضع مسطرتك جيدًا, وعرفت إلى أين تريد الوصول, فتأكّد أن رسمك سيخرج بالشكل التالي:
فأنت
لم تعرف هدفك, كما لم تعرف أي الطُّرق تسلكها إليه, وهذا ما عبر عنه
الكاتب, وأجراه على لسان القط شيشاير, حين قال: "هذا يعتمد كثيرًا على
المكان الذي ترغبين في الذهاب إليه", فإنْ لم تحدد المكان الذي تقصده, فكل
الأماكن بالنسبة لك سواء.
جَيّد.. معنَى ذلك أنّك إذا أردت الوصول
للنقطة (ج) فإنك يجب أن "تنظر إليها, تتخيلها, تحلم بها", ثم تبذل لسبيلها
الوسائل, فتضع مسطرتك ووسيلة رسمك, وتسحب قلمك لتصل به إلى هدفك, النقطة
(ج):
وهذا
ما نريده جميعًا نريد أن نصل لأهدافنا, لوجهتنا, لا نريد أن نفيق لنجد
أنفسنا في مكان غير الذي نريده, غير الذي كنا نتمنّى أن نصل إليه.
خريطة الحياة
عندما
نذهب إلى الحدائق, والمعارض, أو المراكز التجارية, فإننا نجد خريطة كبيرة,
بها أسهم وألوان كثيرة, وتجد مكتوبًا على نقطةٍ معينة, أنت في هذه
المنطقة, ويشير إلى منطقة معينة, ترى لماذا يفعل (المخطط) ذلك؟؟
الإجابة
ببساطة أنّه لو أعطاك الخريطة دون أن يُخبِرك أين أنت, فلربما تشابَهَت
عليك المداخل, فضللت الطريق, لذلك وجب عليه أن يُنَبِّهك إلى مكانك.
الحياة
كذلك, الحياة كتلك الخريطة, إذا أردت أن تنطلق إلى نقطة, فيجب أن تعرف أين
أنت في الحياة ؟؟ أين موقعك؟؟ ما دورك؟؟ ثم تحدّد إلى أين أنت ذاهب.
أنت
تعرف الآن قِيمَة الضلع الأول الذي يدلّ على حياتك السابقة, المكونة من
خبراتك, ونجاحاتك, كمًّا وكيفًا, وتعرف أن الطريق إلى هدفك يتطلب إنجازك
العديد من الأهداف المرحلية, كقراءة كتاب مثلاً, أو النجاح في اختبار, ولا
تعرف قيمة الضلع الثاني الذي يدلّ على الطريق إلى هدفك, والحقيقة أنّ
المقدمات دليل على النتائج, "إذا أشرقت البدايات, أشرقت النهايات", كما قال
ابن عطاء الله السكندري: فإذا أردت أن تعرف (خط حياتك) المستقبلي, فعليك
النظر بتمعُّن إلى (خط الماضي).
قيّم ذاتك
فإذا
أردت أن ترسم خريطة حياتك, فعليك بعشرة أسئلة تقيم بها (خط حياتك) في
الماضي, وتساعدك على النجاح بقية حياتك, جمعتها الكاتبة جيني إس. ديتزلر,
في كتاب "أفضل سنة في عمرك الآن", ويمكن صياغة الأسئلة التي جمعتها الكاتبة
على هيئة توصيات, نختم بها هذه الرحلة التي بدأتها ألِيس من بلاد العجائب,
لنحط رحالنا على أبواب أحلامنا, في بلاد الحقيقة:
- افتخر بإنجازاتك (دراستك, صلاتك, ذكرك لله, محافظتك على موقعك في عملك, قراءتك).
- احصِ مرات خطأك, (استمرار دَينك, انشغالك عن أبنائك, انقطاعك عن القراءة, عودتك لذنب).
-
حوّل أخطاءك وأخطاء الآخرين إلى معلومات ترشدك, ودروس مستفادة, إنك
الآن في مرحلة تكوين قاعدة بيانات عن نفسك, وتذكر "الخطأ يصنع قواعد
البيانات, والسؤال يصنع الموسوعات".
- ضع حدودًا لنفسك,
وعلمها كيف تتوقف, فالله سبحانه وتعالى وضع بينك وبينه حدودًا, فضع حدًّا
أدنى من العبادات لا يمكن أن تفقده, وآخرًا مع من حولك (الزوج, الأبناء,
المدير...), ولأمانتك, لا تنتظر أن يضع لك غيرك حدودًا, وتذكر "لا تجعل
حياتك محصورة في الحد الأدنى, فكما هناك الأدنى.. هناك الأقصى".
-
حدّد قيمك الشخصية, ومنظورك الحقيقي, ولتعرف عن أي شيء تبحث, عما
يخرجك في الصباح, ويذهبك للعمل, عن أهم شيء في حياتك, حوِّل اهتماماتك
وقيمك من السلبية إلى الإيجابية, اجعل قيمتك كلمات بسيطة, اكتبها (العمل
عبادة.. ليس كسب وشهادة, العمل خبرة, العمل يجعلني إنسان منتج, العمل
يفيدني وأمتي).
- حدّد أدوارك التي تحب القيام بها في حياتك,
فحياتك ليست فيلمًا.. يعيش البطل فيه دورًا واحدًا.. حياتك متعددة الأوجه..
فلتحدِّد أدوارك في الحياة (مسلم عابد, زوج, أب, طالب, ابن, عامل أو موظف,
طاهٍ أو طاهية, طبيب لنفسك), وتذكر "لا تلعب بدورك كشرطي مثلًا في
المنزل", فلا تجعل الأدوار تعتدي على بعضها, وكن عادلاً في توزيع اهتمامك
على أدوارك.
- أعط كل دور تلعبه في حياتك درجة, وركّز على
الدور ذي الدرجة المنخفضة, وقوِّ نفسك فيه, وبادِرْ إليه, وحافظ على الدور
ذي الدرجة الجيدة.
- حدّد أهدافك لكل دور, واهبط على موطن
الداء في دورك, تَخيّل أدوارك جيدًا حتى تصل إلى موطن الداء فيها, ثم ضَعْ
لذلك أهدافًا مرحلية يمكن أن تقيسه بها, بشكل (محدد، قابل للقياس، يبدأ
بفعل).
- ضع قائمة بأهدافك, بتجاربك في حياتك, واتباعك
للنصائح السابقة, اكتب ورقة تحتوي على الإرشادات التي أعطيتها لنفسك من
خلال نقاط نجاحك وإخفاقك, وقيمك ومنظور شخصيتك، والأدوار التي ستقوم بها
والدور الذي ستركز عليه أكثر, ثُمّ الأهداف العشرة التي تخدم في المقام
الأول الهدف المركز عليه, والدور الذي يحتاج لدعم.
- تأكد
دائمًا أنك تحقق أهدافك, بالنظر كل حين فيها, ومتابعة ما أنجزته منها,
والرجوع, والتوقف حين تجد نفسك قد ابتعدت عن طريقها, وأوجد لنفسك الجماعة
التي تشابهك, فإنّ يد الله مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية,
يدعمونك, ويساعدونك بخبرتهم في إنجازك لأهدافك.
وأخيرًا.. ها أنت
باتِّباعك الخطوات السابقة قد رسمت خريطة حياتك, فاحْذَر من القناعة
الزائدة في تطبيقها.. فهي مهلكة.. وحاوِلْ أن تتحرر منها, وتعوِّد على
تحرير نفسك وأفكارك من النمطية, والتكرار, وبادِر إلى التمرُّد والابتكار.